هبه القاق - المسؤولة عن قسم الصيانة والمبيعات في فودافون

خاص: مشروع تطوير التعليم والتدريب المهني في مؤسسة انقاذ الطفل - بإصرارها أن تكون عنصرا فعالا ومنتجاً، بثقتها العالية بنفسها، بجرأتها في اتخاذ القرار الصحيح غير آبهة بكل المفاهيم المجتمعية المغلوطة، بطموحها العالي وحلمها المتواضع، قررت هبه القاق 22 عام أن تكون أول بنت في منطقة رام الله تخرج عن المألوف لتعلم مهنة صيانة الأجهزة الخلوية ، سؤال اشغل بالها كثيرا ألا وهو كيف ستبدأ بالتعليم وهي لا تملك في جيبها سوى بضعة شواكل قد لا تكفي لذهابها وإيابها لأحد مراكز التدريب المهني في مدينة رام الله خاصة عندما أيقنت أن التعليم المهني من أكثر القطاعات التعليمية تكلفة؟
باتجاه قرية مزارع النوباني شمال غربي رام الله انطلقنا للقاء هبه القاق وسماع كيف تغلبت على كل العوائق المجتمعية والمادية وأصبحت أول بنت في منطقة رام الله تدرس صيانة الأجهزة الخلوية وتقف أمام عشرات الزبائن يوميا لتصليح أجهزتهم وصيانتها.

نقلة نوعية
في وصفها لبداية الرحلة تقول هبة «عقدت العزم وذهبت، لا املك في جعبتي من المال سوى بضعة شواكل، توجهت بها إلى مركز التدريب المهني في بيتونيا التابع للإتحاد اللوثري، وقفت مرتبكة بعض الشيء أمام المسؤول هناك، وقلت له أريد أن أتعلم وصمت منتظرة مترقبة ردة فعله، سرعان ما تناول قائمة تحتوي على البرامج والإقساط وحدثني عن الإجراءات وكيفية الدفع, فقلت له قبل أن انظر إلى قائمته لا املك مالا ولكنني ارغب بتعلم مهنة أحبها كثيرا، وسأقوم بدفع إقساطي بعد تخرجي وعملي... » ابتسم، بعد أن شعر برغبة شديدة مني في التعليم وقال لي » توكلي على الله « وسرعان ما انصهر كل الخوف الذي تملكني وبدأت اشعر بالراحة شيئا فشيئا وشعرت من ابتسامته ورده على انه وافق على أن أتعلم دون أن يضع عدم حوزتي للمال كعائق أمام إكمالي لتعليمي وشعرت بدوري أن أبواب الحياة فتحت أمامي مرة واحدة ولأول مرة اشعر بنقلة نوعية في حياتي التي قررت لها هذه البداية .»
تواصل هبة حديثها: «انخرطت في الدراسة في الموعد الذي كان محددا في تلك الفترة، وفوجئت بوسائل التحفيز التي قدمها لي المركز من دفع مواصلاتي اليومية وغير ذلك من المحفزات التشجيعية والمعنوية، ومن هنا بدأت رحلة التحدي التي فرضت علي من واقع أنني فتاة تعيش في قرية صغيرة وتفرض عليها بعض القيود المجتمعية وما سيتبع ذلك من عدم فهم الآخرين لي، فكان علي أن لا اهتم لردة فعل الناس علي وتواصلت حتى أنهيت سنة دارسيه مكثفة بتخصص في صيانة الأجهزة الخليوية، وتدربت في عدة أماكن قبل استقراري في عملي الحالي في مركز فودافون للصيانة والبيع والتصليح... تضيف هبة: بدأت عملي بتحديات كبيرة كان علي أن أقف لمواجهتها وبمجموعة من
العوائق التي فرضتها طبيعة الثقافة السائدة هنا فمثلا كان يحضر احد الزبائن ويشير باستهتار متسائلاً هل أنت من ستقومين بإصلاح جهازي » أجيب نعم فينظر نظرة شك وتردد في إعطائي جهازه, تكررت مثل هذه الحالات فترة حتى تعود الناس علي وأصبحوا يثقون بعملي بعد التجربة وبقدرتي والآن عندي زبائن تزداد إعدادهم يوما بعد يوم وأنا افكر بفتح شغل خاص لي.
بالمقابل فقد كانت تأتي فتيات لإصلاح أجهزتهن وكم كن يفرحن عندما يجدن فتاة مثلهن ستفحص لهن الجهاز لان الكثير من الفتيات تحوي أجهزتهن صورا خاصة لهن مثلا فتاة محجبة لا تريد أن يطلع شاب على صورها بدون حجاب ، هذا التوجه عند الفتيات أيضا زاد من ثقتي في أهمية وجودي في هذا المكان الذي اعمل به وعزز من نجاحي.

تعليمي المهني أضاف الجديد لموقع عملي
تقول عندما ذهبت للعمل لم أجد كل ما احتاجه وكل ما تدربت عليه في المركز ووجدت فقط مفكات بسيطة لا تكفي لأوظف من خلالها كل ما تعلمته على مدار عام مكثف من الدراسة والتدريب في الاتحاد اللوثري فطلبت من صاحب العمل أن يحضر لي كل ما احتاج ونفذ لي طلبي بعد أن أدرك أن إضافتها ستضيف للعمل عنده سرعة التنفيذ ودقته.
مواقف كثيرة عززت من ثقة هبه القاق في نفسها وألغت تماما هاجس الخوف من الندم عندما أيقن كل من يعرف هبه أو يتعامل معها أنها حققت حلمها وبدأت بتوسيع آفاق نظرتها للمستقبل حيث أكدت زميلة هبة التي كانت تدرس معها في الصفوف الأكاديمية وتتفوق عليها في التحصيل الأكاديمي أن خيار هبة كان الأنسب لسوق العمل فرغم تفوقها العلمي وحصولها على درجة البكاولويوس من احد الجامعات المعروفة قبل أربع سنوات إلا أنها ما زالت تنتظر فرصة عمل مناسبة لها دون جدوى.
وصفت هبة القاق سعادتها بتخصصها المهني قائلة: اشعر بفرحة شديدة عندما أقوم باستلام جهاز لا يعمل وأعيد له الروح ففرحتي لا توصف عندما أجد أن هذا الجهاز قد أضاء أخيرا اشعر أنني كطبيب أعاد الروح لمريضه.
أصبحت هبة الآن هي المسؤولة عن قسم الصيانة والمبيعات وتتلقى عروضا كثيرا بالعمل، ولها زبائنها كما تغلبت هبة على معظم الصعوبات المادية التي تعترضها وأصبحت معيلة رئيسية لعائلتها واشقائها الذين يدرسون في الجامعات والكليات الأخرى، وتتمنى تطوير عمل خاص بها فهي تفكر في فتح محل صيانة في قريتها الصغيرة بعد أن لمست الإقبال الشديد على تصليح وصيانة الأجهزة.


هبة التي ترى أن الحياة لا تتوقف عند محطة واحدة تدعو كافة الشباب والفتيات إلى الخروج عن النمط التقليدي في التفكير ومعرفة الحاجة الحقيقية للفرد والمجتمع وأخذ الخطوات الحياتية بناء على متطلبات كافة الأطراف.